رياضة
رحيمي .. بطل مكافح ولد من رحم المعاناة
28/04/2024 - 23:35
صلاح الكومريصار سفيان رحيمي، أخيرا، نجما بارزا يضرب به المثل في النجاح في كرة القدم المغربية وفي إفريقيا وآسيا، حيث يعود له الفضل الأول في تأهل فريقه العين الإماراتي إلى المباراة النهائية لبطولة دوري أبطال آسيا، ولم يكن ليصل إلى هذا المستوى بدون تضحيات ونكران للذات وتجاوز للعقبات، لهذا يحق أن يضرب به المثل في الصبر والكفاح لبلوغ أعلى المراتب.
بشرى السعد
في 2 يونيو 1996، دوّت الزغاريد في مركب الوازيس، مقر تداريب نادي الرجاء الرياضي، بالتزامن مع حصة تدريبية للفريق، تحت قيادة المدرب الروسي الراحل يفغيني روغوف. سأل الأخير أحد مساعديه: ما هذا الصوت؟ رد عليه: صديقنا يوعري، حامل الأمتعة، رزق بمولود ذكر، فالتفت نحوه، وقال له بعين العارف المؤمن: "هذا الصبي، بشرى سعد على الفريق، سيحمل معه الخير والبركة للنادي".
صدقت نبوءة المدرب الروسي. فبعد أسبوع واحد فقط من ولادة سفيان رحيمي، "فك" الرجاء "نحسا" طارده لـ8 سنوات في البطولة الوطنية، وتوج للمرة الثانية في تاريخه بلقب الدوري. وكان هذا التتويج إعلانا عن بداية عهد جديد للقلعة الخضراء، وحجر أساس بناء "الفترة الذهبية" للنادي، وباكورة فوز الفريق بالكثير من الألقاب المحلية والقارية، منها التتويج بـ6 ألقاب متتالية للدوري الوطني، والفوز بكأس عصبة الأبطال مرتين (1997 و1999)، والمشاركة في نهائيات كأس العالم للأندية.
نشأة في المركب
نشأ رحيمي في مركب "الوازيس"، حيث رأى النور في بيت صغير يطل على جميع ملاعب النادي. والده محمد رحيمي، الملقب بـ"يوعري"، حامل الأمتعة السابق للفريق، والوحيد الذي استطاع الحفاظ على مكانه ومنصبه في القلعة الخضراء لأزيد 50 سنة، في وقت مر على البيت الرجاوي مئات اللاعبين وعشرات المدربين وأزيد من 20 رئيسا، حتى أن هناك من كان يلقبه بـ"أرشيف النادي المتنقل".
رضع سفيان رحيمي حليب فريقه الأم الرجاء، ورضع معه مبادئ وفلسفة النادي و"تّاراجاويت"، بمعناها الحقيقي. هو يعرف الكثير من أسرار مستودع ملابس الفريق، حيث كان ينظر بعين الدهشة والذهول والإعجاب أيضا لعشرات اللاعبين "النجوم" الذين مروا في القلعة الخضراء، حين كان والده يأخذه معه لحمل الأمتعة الرياضية الخاصة باللاعبين، وهو ما يزال يافعا في سنوات طفولته الأولى، بالكاد يدرك ما يدور حوله.
في 14 دجنبر من سنة 1997، توج الرجاء بلقب عصبة الأبطال الإفريقية، في وقت لم يكمل فيه سفيان رحيمي عامه الثاني بعد، وفي اليوم الموالي، وكان يوم اثنين، والجو بارد وماطر، حمله والده من مهده الدافئ، لأخذ صورة مع اللقب القاري واللاعبين، ومع مدرب الفريق، قائد ملحمة القلعة الخضراء وقتذاك، البوسني وحيد خاليلوزيتش، الناخب الوطني السابق.
غادر خاليلوزيتش المغرب صيف 1998، وبعد أزيد من 20 سنة، قضاها جوالا بين مختلف دول وقارات العالم، عاد إلى المغرب سنة 2019 مدربا للمنتخب الوطني الأول، وشاءت الأقدار أن تلاقيه، من جديد، بذاك الرضيع الصغير الذي أخذ معه صورة تذكارية إلى جانب كأس عصبة الأبطال، ليجده وقد صار شابا، يافعا، مليئا بالحيوية والحماس والطموح، يحمل قميص فريقه السابق الرجاء الرياضي، فلم يتردد في توجيه الدعوة له لحمل قميص "الأسود" (في 5 نونبر 2020)، وكأنه يربط الماضي بالحاضر، ويستبشر به خيرا لفك عقدة النخبة الوطنية في نهائيات كأس إفريقيا، وليجلب البركة والسعد للأسود، وهو الذي رضع حليب أغلى الألقاب والبطولات.
الفأل الحسن
قبل لعبه للمنتخب الأول، رسم سفيان رحيمي أولى مسارات تألقه الدولي مع المنتخب المحلي، حين شارك مع الأخير، في البطولة العربية للأندية سنة 2021، وبعد ذلك ساهم في تتويج النخبة الوطنية بكأس إفريقيا للمحليين (شان الكاميرون)، حيث وقع على تألق استثنائي، إذ توج بجائزة أحسن لاعب في 3 مباريات، وأحرز أسرع هدف في تاريخ المنافسة (بعد 37 ثانية) في مباراة ربع النهائي أمام زامبيا، إضافة إلى تتويجه من طرف الاتحاد الإفريقي "كاف"، بجائزتي أحسن لاعب وهداف البطولة.
بعد هذا التألق، قال عنه جمال السلامي، مدربه وقتذاك في الرجاء الرياضي، والذي كان من بين من شجع سفيان رحيمي، وساعده على التألق: "سفيان يحمل جينات الرجاء الرياضي، هو ابن النادي الأصيل، لهذا، لا غرابة في أن نراه طموحا، شغوفا بتحقيق أهدافه، يمكنه التدرج وتسلق المراتب رويدا رويدا، وإذا واصل الاجتهاد والعمل والصبر، سيكون لاعبا كبيرا دون شك".
في حضرة الأسود
حين نودي على سفيان رحيمي، لأول مرة، إلى المنتخب المغربي الأول في 5 نونبر 2020، من طرف الناخب الوطني السابق وحيد خاليلوزيتش، أدرك الفتى وعائلته أنه يسير في الطريق الصحيح، وأن صبره واجتهاده بدأ يأتي بنتائج إيجابية، خاصة أن مساره نحو فئة كبار الرجاء لم يكن معبدا ومفروشا بالورود، بل كان مليئا بالعقبات وخيبات الأمل أحيانا.
ففي سنة 2017، وهو لا يتجاوز 21 سنة، اضطر الفريق إلى التخلي عنه لصالح نجم الشباب البيضاوي في قسم الهواة، ولعب للأخير موسم 2017-2018، وقبل بداية موسم 2018-2019، عاد إلى القلعة الخضراء بتوصية من جمال فتحي، المدير التقني السابق للفريق، ومنحه فرصة أخيرة للظهور ليثبت أحقيته اللعب مع الفريق الأول، وقال له: "يا بني. هذه الحياة فرص، والفرص نادرة، وهذه فرصتك، فإما أن تستغلها الآن لصالحك أو تتركها لغيرك".
نجح سفيان رحيمي في الاختبار، استغل الفرصة، وصعد إلى فئة الكبار صيف 2018. وبعد أشهر قليلة فقط، توج الفريق بكأس الكونفدرالية الإفريقية للمرة الثانية في تاريخ النادي، وكان مساهما، بشكل كبير، في هذا التتويج. فقد أحرز هدفين من أصل 3 خلال الفوز في المباراة النهائية، ذهابا، في الدار البيضاء أمام "فيتا كلوب" الكونغولي، وأكد، من حيث لا يدري، أنه "فأل حسن وبشرى سعد".
الاحتراف
شهر غشت من سنة 2021، كان سفيان رحيمي على موعد مع أولى خطواته في عالم الاحتراف؛ إذ انتقل إلى نادي العين الإماراتي، حيث بدأ مشوار حصد نتائج الصبر والكفاح والاجتهاد، وقاد الفريق إلى التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا، وقبل ذلك، الفوز بالدوري الإماراتي المحلي، وكأس رابطة المحترفين، وتوج بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإماراتي الشهرية 6 مرات.
صدق تنبؤ المدرب غينادي روغوف، حين قال إن هذا الفتى بشرى سعد على الفريق، وسيحمل معه الخير والبركة للنادي. وقتها، اعتقد مساعده أن هذا العجوز الروسي يهذي وقد خرف بعدما شارف على السبعين من عمره. والحقيقة أن الرجل كان يعيش أيامه الأخيرة من عمره، وربما كان يبصر أشياء ويرى أحداثا لا يراها الإنسان العادي، فقد توفي في العاصمة الروسية موسكو بعد شهر واحد من ولادة سفيان رحيمي.
مقالات ذات صلة
رياضة
رياضة
رياضة
رياضة